غريب1

0

1,633

نزلة البرد بين الطبيب والصيدلي (مقالة)

لا أعرف كم مرة أصبت بالزكام منذ دخول موجة البرد الأخيرة، ولكن من المعروف أن نزلة البرد ومن ضمنها الزكام تأتي كأكثر الأمراض شيوعا في العالم . وهي بهذا المستوى الكبير من الانتشار تشكل منجم ذهب للصيدليات وشركات الأدوية . والمفارقة هنا أنها من أكثر الأمراض شيوعا وبساطة ومع هذا لا يوجد علاج حقيقي لها .. بل يبدو الأمر ميئوسا منه لدرجة ان طلاب الطب يتلقون قاعدة مفادها : علاج البرد سبعة أيام ؛ بدواء أو بدون دواء !!

ولكن يبدو ان شركات الأدوية لم تسمع بهذه القاعدة ولم تستطع تجاهل حجم الكعكة الهائل فأنزلت للأسواق أنواعا لاتحصى من العقاقير التي لا تعالج نزلة البرد بل تحد من أعراضها وتخفف من وطأتها !!

ورغم بساطة المرض إلا انه في حالات نادرة قد يتطور إلى إنفلونزا خطيرة ووباء فتاك ؛ ففي عام 1918 قضت الانفلونزا على 25 مليون انسان حول العالم . وفي السبعينيات انتشرت في الصين انفلونزا مميتة كانت معروفة فقط بين الطيور ثم عادت للظهور في السنوات الأخيرة تحت مسمى انفلونزا الطيور.. أما هذه الأيام فشغلتنا انفلونزا الخنازير وأصبح الناس والأطباء في حيرة أمامها (والمستفيد الحقيقي من انتشارها هي الصيدليات وشركات المنتجة للقاحاتها) !

غير أن حوادث الوفاة من الإنفلونزا بأنواعها تعد نادرة بالمقارنة مع غيرها في حين لا يمكن اعتبار نزلة البرد ذاتها من الأمراض الخطيرة ..

أما لماذا يصعب علاج نزلة البرد والزكام وهذا هو موضوعنا الأساسي فلعدة أسباب :

* السبب الأول ان المتسبب بالمرض ليس ميكروبا واحدا بل طائفة واسعة من الفيروسات ( منها مجموعة واحدة تدعى فيروسات راينو Rhinoviruses تتسبب ب40% من أمراض البرد الشائعة) !!

*والثاني ان معظم هذه الفيروسات مختلفة ومتناقضة لدرجة عدم إمكانية تحضير علاج موحد يقضي عليها جميعا (وبالتالي ؛ الإيدز اسهل)!!

*وحتى لو افترضنا اكتشاف علاج خاص بكل فيروس فإن هذا يتطلب أولا (عمل تحليل) للكشف عنها جميعا ، ثم اختيار العلاج المناسب لها وحتى تظهر النتائج يكون المرض قد ذهب لوحده!

*ثم لاننسى ان المرض ذاته بسيط وغير مؤذ (في مراحله الأولى على الأقل) وبالتالي من الأفضل عدم ارهاق الجسم بمجموعة كبيرة من العقاقير قد تكون تأثيراتها الجانبية أسوأ من المرض نفسه!

*أضف لهذا ان الأعراض المؤذية التي ترافق الزكام ليست بسبب الفيروسات ذاتها (وهذه متاهة أخرى) بل بسبب ردود فعل الجسم تجاهها.. فجهاز المناعة في الانسان لايميز بين الفيروسات الخطيرة (كفيروس الإيدز) والفيروسات البسيطة المسببة للزكام . وبالتالي تأتي المظاهر التي ترافق الزكام (كالحرارة والكحة والعطاس وسيلان الأنف) كردود فعل عنيفة ضد فيروسات ضعيفة !

.. وللسبب الأخير بالذات تركز الأدوية الموجودة حاليا على الحد من عنف هذه الأعراض حتى تختفي الفيروسات بنفسها بعد أيام .. ومن المؤسف انه توجد أدوية تحد من ردود فعل جهاز المناعة الأمر الذي يهدد بتسلل أمراض أكثر خطورة .. ومن المؤسف أيضا بالمناسبة ان بعض الاطباء يصفون "مضادات حيوية" لعلاج البرد في حين ان المضادات لاتؤثر في الفيروسات أبدا .. ( أتشوووا ).

التعليقات (0)